سلامة الدين من الانحراف
وينقل لنا ابن أبي الحديد أيضا، عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:>إنّه وقف فوقفنا فوضع رأسه على رأس علي وبكى.
فقال علي عليه السلام: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها إليك حتى يفقدوني. فقال: يا رسول الله، أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم. قال: بل تصبر. قال: فإن صبرت؟
قال: تلاقي جهداً، قال: أفي سلامة من ديني؟ قال: نعم. قال: فإذاً لا أبالي<([1]).
وهذا الحديث صححه الحاكم، وان حذف صدر الحديث.
واليك الحديث كما رواه الحاكم بطريق آخر عن ابن عباس، قال:
قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: >أما انك ستلقى بعدي جهداً.
قال: في سلامة من ديني.
قال: في سلامة من دينك.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه<([2]).
وكذلك أورده أبو يعلى في مسنده، والطبراني في معجمه الكبير، والهيثمي في زوائده وقال معلقاً عليه:
>رواه أبو يعلى والبزار وفيه الفضل ابن عميرة وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات<([3]).
نقول: توثيق ابن حبان، وتصحيح الحاكم له، تعطي مصداقية لهذا الحديث. لاسيما وأن ابن عميرة (الطفاوي) هو من كبار أتباع التابعين ومن الذين روى لهم النسائي.
إذن فعلي عليه السلام لابد أن يصبر، ولابد أن يلاقي الجهد والتعب، من غصب حقوقه وضرب زوجته وإحراق دارها؛ ولكنه كما تقول الرواية لأجل سلامة الدين، وعلي عليه السلام لا يبالي إذا كان الإسلام هو المحور وهو القطب وهو الأصل الذي يبذل في سبيله الغالي والنفيس؛ وإن كان أغلى ما عنده وهو الزهراء عليها السلام.
هذا هو علي، وهذه هي مبادئه. فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) شرح نهج البلاغة ج4 ص107.
وقال أيضا: ولامَته فاطمة (عليها السلام) على قعوده وأطالت تعنيفه وهو ساكت. وفي رواية: حرضته على النهوض والوثوب، حتى أذّن المؤذّن، فلما بلغ إلى قوله: أشهد أنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لها: أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟! قالت: لا قال: فهو ما أقول لك. شرح نهج البلاغة:20/326.
نقول: نحن نتفق مع ابن أبي الحديد في ذيل هذه الرواية، وهو ان عدم زوال الدعوة يحتاج إلى الصبر وتلقي الجهد، فهو عليه السلام كان في مقام بيان السبب للحفاظ على الدعوة المحمدية من الانحراف.
أما صدر الرواية فلا نتفق معه؛ لأن اللوم والتعنيف لا يصدر من الزهراء المعصومة في كل حركاتها وسكناتها؛ لأنها ربيبة القرآن، وتربت في أحضان أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي سيدة نساء العالمين والقدوة والمثل الأعلى.
([2]) الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين،ج4ص140.
([3])أبو يعلى الموصلي: مسند أبي يعلى،ج1ص427. الطبراني: المعجم الكبير،ج11ص61. الهيثمي: مجمع الزوائد،ج9ص118.